مقدمة في فضل علم التاريخ
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا، و أرفعها منزلة و ذكرا، و أنفعها عائدة و ذخرا. و كفاه شرفا أن الله تعالى شحن كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، من أخبار الأمم الماضية، و القرون الخالية، بما أفحم به أكابر أهل الكتاب. و أتى من ذلك بما لم يكن لهم في ظن و لا حساب. ثم لم يكتف تعالى بذلك حتى امتن به على نبيه الكريم، و جعله من جملة ما أسداه إليه من الخير العميم، فقال جل و علا : { تلك القرى نقص عليك من أنبائها } سورة الأعراف - آية 101. وقال : { و كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك } سورة هود - آية 120. وقال : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } سورة يوسف - آية 111.
و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم، كثيرا ما يحدث أصحابه بأخبار الأمم الذين قبلهم، و يحكي من ذلك ما يشرح به صدورهم، ويقوي إيمانهم، و يؤكد فضلهم.
و كتاب بدئ الخلق من صحيح البخاري - رحمه الله - كفيل بهذا الشان، و آت من القدر المهم منه بما يبرد غلة العطشان.
قال بعضهم : احتج الله تعالى في القرآن على أهل الكتابين بالتاريخ، فقال تعالى : { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم و ما أنزلت التوراة و الإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون } سورة آل عمران - آية 65.
و حكى بدر الدين القرافي - رحمه الله - أن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - كان يقول ما معناه : دأبت في قراءة علم التاريخ كذا و كذا سنة، و ما قرأته إلا لأستعين به على الفقه.
قلت - أي أحمد بن خالد الناصري- : معنى كلام الشافعي هذا، أن علم التاريخ، لما كان مطلعا على أحوال الأمم و الأجيال و مفصحا عن عوائد الملوك و ألأقيال، مبينا من أعراف الناس و أزيائهم و نحلهم و أديانهم ما فيه عبرة لمن اعتبر، و حكمة بالغة لمن تدبر و افتكر، كان معينا عى الفقه و لا بد. و ذلك أن أجل الأحكام الشرعية مبني على العرف، و ما كان مبينا على العرف لا بد أن يطرد باطراده، و ينعكس بانعكاسه. و لهذا ترى فتاوى الفقهاء تختلف باختلاف الأعصار و الأقطار، بل و الأشخاص و الأحوال. و هذا السبب بعينه هو السر في اختلاف شرائع الرسل عليهم الصلاة و السلام و تباينها، حتى جاء موسى بشرع، وعيسى بآخر، و محمد بسوى ذلك، صلى الله على جميعم و سلم.
ثم فائدة التاريخ ليست محصورة فيما ذكرناه، بل له فوائد أخرى جليلة، لو قيل بعدم حصرها ما بعد.
قال جلال الدين السيوطي رحمه الله : " من فوائد التاريخ واقعة رئيس الرؤساء المشهورة مع اليهود ببغداد، و حاصلها أنهم أظهروا رسما قديما يتضمن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بإسقاط الجزية عن يهود خيبر، و فيه شهادة جماعة من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فرفع الرسم إلى رئيس الرؤساء، و عظمت حيرة الناس في شأنه. ثم عرض على الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي فتأمله و قال : هذا مزور. فقيل له بما عرفته ؟ قال : فيه شهادة معاوية، وهو إنما أسلم عام الفتح. سنة ثمان من الهجرة، و خيبر فتحت سنة سبع. و فيه شهادة سعد بن معاذ، و هو مات يوم بني قريظ، و ذلك قبل فتح خيبر. فسر الناس بذلك و زالت حيرتهم " انتهى
قال أحمد بن ناجي - رحمه الله - : إن علم التاريخ يضر جهله، وتنفع معرفته، لا كما قيل انه علم لا ينفع و جهالة لا تضر.
و بالجملة : ففضيلة علم التاريخ شهيرة، و فائدته جليلة خطيرة، و مادحه محمود غير ملوم و الحديث بفضله حديث بمعلوم، ولله در القائل :
ليس بإنسان و لا عاقل *** من لا يعي التاريخ في صدره
و من روى أخبار من قد مضى *** أضاف أعمارا إلى عمره
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا، و أرفعها منزلة و ذكرا، و أنفعها عائدة و ذخرا. و كفاه شرفا أن الله تعالى شحن كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، من أخبار الأمم الماضية، و القرون الخالية، بما أفحم به أكابر أهل الكتاب. و أتى من ذلك بما لم يكن لهم في ظن و لا حساب. ثم لم يكتف تعالى بذلك حتى امتن به على نبيه الكريم، و جعله من جملة ما أسداه إليه من الخير العميم، فقال جل و علا : { تلك القرى نقص عليك من أنبائها } سورة الأعراف - آية 101. وقال : { و كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك } سورة هود - آية 120. وقال : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } سورة يوسف - آية 111.
و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم، كثيرا ما يحدث أصحابه بأخبار الأمم الذين قبلهم، و يحكي من ذلك ما يشرح به صدورهم، ويقوي إيمانهم، و يؤكد فضلهم.
و كتاب بدئ الخلق من صحيح البخاري - رحمه الله - كفيل بهذا الشان، و آت من القدر المهم منه بما يبرد غلة العطشان.
قال بعضهم : احتج الله تعالى في القرآن على أهل الكتابين بالتاريخ، فقال تعالى : { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم و ما أنزلت التوراة و الإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون } سورة آل عمران - آية 65.
و حكى بدر الدين القرافي - رحمه الله - أن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - كان يقول ما معناه : دأبت في قراءة علم التاريخ كذا و كذا سنة، و ما قرأته إلا لأستعين به على الفقه.
قلت - أي أحمد بن خالد الناصري- : معنى كلام الشافعي هذا، أن علم التاريخ، لما كان مطلعا على أحوال الأمم و الأجيال و مفصحا عن عوائد الملوك و ألأقيال، مبينا من أعراف الناس و أزيائهم و نحلهم و أديانهم ما فيه عبرة لمن اعتبر، و حكمة بالغة لمن تدبر و افتكر، كان معينا عى الفقه و لا بد. و ذلك أن أجل الأحكام الشرعية مبني على العرف، و ما كان مبينا على العرف لا بد أن يطرد باطراده، و ينعكس بانعكاسه. و لهذا ترى فتاوى الفقهاء تختلف باختلاف الأعصار و الأقطار، بل و الأشخاص و الأحوال. و هذا السبب بعينه هو السر في اختلاف شرائع الرسل عليهم الصلاة و السلام و تباينها، حتى جاء موسى بشرع، وعيسى بآخر، و محمد بسوى ذلك، صلى الله على جميعم و سلم.
ثم فائدة التاريخ ليست محصورة فيما ذكرناه، بل له فوائد أخرى جليلة، لو قيل بعدم حصرها ما بعد.
قال جلال الدين السيوطي رحمه الله : " من فوائد التاريخ واقعة رئيس الرؤساء المشهورة مع اليهود ببغداد، و حاصلها أنهم أظهروا رسما قديما يتضمن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بإسقاط الجزية عن يهود خيبر، و فيه شهادة جماعة من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فرفع الرسم إلى رئيس الرؤساء، و عظمت حيرة الناس في شأنه. ثم عرض على الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي فتأمله و قال : هذا مزور. فقيل له بما عرفته ؟ قال : فيه شهادة معاوية، وهو إنما أسلم عام الفتح. سنة ثمان من الهجرة، و خيبر فتحت سنة سبع. و فيه شهادة سعد بن معاذ، و هو مات يوم بني قريظ، و ذلك قبل فتح خيبر. فسر الناس بذلك و زالت حيرتهم " انتهى
قال أحمد بن ناجي - رحمه الله - : إن علم التاريخ يضر جهله، وتنفع معرفته، لا كما قيل انه علم لا ينفع و جهالة لا تضر.
و بالجملة : ففضيلة علم التاريخ شهيرة، و فائدته جليلة خطيرة، و مادحه محمود غير ملوم و الحديث بفضله حديث بمعلوم، ولله در القائل :
ليس بإنسان و لا عاقل *** من لا يعي التاريخ في صدره
و من روى أخبار من قد مضى *** أضاف أعمارا إلى عمره